12 يونيو، 2020
الحوار الجزائرية
أراء مساهمات

رمضانيات مهاجر

رمضانيات مهاجر
لماذا يقرأ السويديون ؟

بقلم: رياض بن وادن

إن السلوك السوي لا يمكن أن يكون وليد اللحظة وكذلك هو السلوك غير السوي..وإذا أردنا معرفة كيف حدث السلوك السوي فلابد من متابعة متأنية ودراسة متفحصة في ماضيه، ومراقبته خطوة بخطوة حتى نقدر على الإلمام بكل الأسباب.
ومن السلوكات السوية والجميلة التي لاحظتها مباشرة بعد وصولي إلى مملكة السويد سلوك القراءة، وجدت مجتمعًا يقرأ في كل المكان، في الساحات العامة، وفي المقاهي، وهم يأكلون في المطاعم، أثناء انتظار الحافلات وفي الميترو ..والحقيقة لم أصدم بفعل القراءة في حد ذاته، فثقافة القراءة كبرت عليها منذ الصغر وأكيد هناك من يفعلها من المهاجرين، ولكن الذي أدهشني هو اتساعها وانتشارها والإمكانات الكبيرة المتوفرة من أجل دعمها.
وعندما أمعنت في هذا السلوك وجدته ليس وليد اليوم أو لسنوات قليلة إلى الوراء، وإنما هي ثقافة مترسخة بما يقارب المئة عام أو يزيد. فيكفي عندما نعرف بأن من الثقافة الراسخة في السويد أن الآباء والأمهات يُنوّمون أطفالهم الصغار على قراءة قصة من كتاب وأن نسبة الأمية عند الصغار والكبار هي صفر بالمئة ندرك عندها قصة سبب عشق هذا المجتمع لسلوك القراءة.
ليس هذا فقط، بل ومن العادات الجميلة في عيد ميلاد أطفالهم مثلا أن من بين الهدايا كتبًا تناسب أعمارهم، كما يوجد في كل بلدية مكتبة عامة تحتوي على جناح هام من كتب الأطفال، ومن البرامج الراسخة في المدارس وحتى في دور الحضانة أن يزور الأطفال هذه المكتبات ويقوموا باستعارة كتاب أو كتابين حتى يتعودوا على ذلك، وحتى تترسخ فيهم غريزة حب الكتاب.
ومن الخصال الحميدة عند القارىء السويدي أنه لا يحتفظ أبدا بأي رواية يقرأها، فبعد الانتهاء من قراءة الروايات، يجمعها في آخر سنة ثم يعطيها إلى شركة غير ربحية تعيد بيعها بثمن زهيد جدا، وفي الكثير من الأحيان تجد روايات مكدسة في مكان عام كتب على ورقة وضعت فوقها: تفضل خذ هي الكتب إذا رغبت في قراءتها !!.
كما أن الكتب والروايات تباع في كل مكان بما في ذلك المتاجر التي تبيع المواد الغذائية، كما أن هناك مقاهي تحتوي على رفوف صفت عليها كتب ومجلات من حق الزبون أن يأخذ كتابا ليقرأه إذا أراد.
وفي كل مراحل التعليم تجد مادة القراءة لها مكانتها الخاصة، تلاميذ يقرأون كثيرا، يحللون ويناقشون، ومن أجل الانتقال من سنة إلى أخرى خاصة في مرحلة الثانوي، لابد من قراءة العديد من الروايات باللغتين السويدية والإنجليزية وعرضها في القسم أمام الأستاذ والتلاميذ، فالتعليم في السويد لا يؤمن بالحفظ والاستظهار عن ظهر قلب كما هو التعليم عندنا.
في إحدى المرات كنت أجلس كثيرا في مقهى في الجزائر، وبعدما تعرف عليّ صاحب المقهى أخبرني ذات يوم بأنه كان يتعجب من جلوسي في المقهى مرفقًا دائما بكتاب في اليد، وحسب قوله أنه رأى من يقرأ جريدة لكنه لم أر يوما في حياته من يقرأ كتابا في مقهى، لكن الآن عرف السبب. كان يقصد بالسبب أني مغترب، فقلت له يومها: يا صديقي، حقيقة ربما الغرب فاتنا بهذا السلوك، لكن تذكر جيدًا ولا تنسى أبدا بأن نحن أمة اقرأ وأن أول آية نزلت هي اقرأ باسم ربك الذي خلق، ولو فعلنا ذلك لقضينا على العديد من مشاكلنا ولكنا شعبا هادئا وأكثر فاعلية.

مقالات متشابهة