12 أغسطس، 2020
الحوار الجزائرية
الحدث الدبلوماسي

وقف إطلاق النار في ليبيا مؤشر على نجاح الدبلوماسية الجزائرية

 

 

الكاتب والحقوقي أنور مالك لـالحوار“:

وقف إطلاق النار في ليبيا مؤشر على نجاح الدبلوماسية الجزائرية

توقعت قبل شهور أن يتخلص النظام الإيراني من قاسم سليماني

 

كشف الكاتب والحقوقي الجزائري، أنور مالك، لجريدة “الحوار” أن وقف إطلاق النار في ليبيا هو نتيجة لنجاح الدور الدبلوماسي الجزائري، كما حلل الوضع في الشرق الأوسط بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وعرج على مشاركة حركة حماس في جنازة سليماني بإيران.

حاوره: نورالدين

 

هل نجحت الدبلوماسية الجزائرية في ليبيا ؟

 

وقف إطلاق النار في ليبيا هو مؤشر قوي على نجاح الدبلوماسية الجزائرية في انطلاقتها نحو الملف، والدبلوماسية الجزائرية لديها عقيدة راسخة تبنى على ثلاثة أركان وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعلى الحل السياسي للأزمات وعلى الشرعية الدولية في معالجتها، مهمة وقف إطلاق النار كانت صعبة ومعقدة، فالوضع في ليبيا بلغ درجات من كسر العظم نتيجة التدخلات الخارجية لصالح هذا أو ذاك، وهي التي زادت في تعفين الأوضاع، وتوريط ليبيا في مستنقعات لا نهاية لها، وهو ما حذرت منه الجزائر في بداية الأزمة أيام حكم معمر القذافي.

 

لماذا هذه التحركات في هذا الوقت بالذات ؟

في اعتقادي أن تحرك الدبلوماسية الجزائرية يعود أساسا إلى التغيير الذي حدث في البلاد، فالسلطة السابقة كانت معطلة على مدار سنوات هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن تطورات المشهد الليبي خطيرة جدا وستكون لها تداعيات أمنية على البلاد.

مما لا شك فيه أن المؤسسات الأمنية الجزائرية وفي مقدمتها مؤسسة الجيش الوطني الشعبي كانت غير راضية على الدور الجزائري في الفترة السابقة مع ملف هي المعنية الأولى به، فليبيا لديها حدود مع الجزائر تتجاوز 900 كم ودفعت الثمن جراء الحرب الأهلية القائمة فيها منذ سنوات، سواء من حيث تنشيط الإرهاب أو تهريب الأسلحة أو غير ذلك من التداعيات..

التحرك الدبلوماسي الجزائري الذي شرع فيه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون منذ انتخابه يعبر عن القلق لدى السلطات العليا من مآلات الوضع الليبي وأيضا عن التدخلات الخارجية المستفزة التي ستؤدي إلى ما لا يحمد عقباه وتأثيرات ذلك ستكون سلبية على الأمن القومي الجزائري.

كيف سيؤثر غياب قاسم سليماني على المشروع الإيراني في المنطقة ؟

أذكر لكم أنني لم أتفاجأ بمقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وقد توقعت ذلك في شهر أكتوبر 2019 وفي حلقة من برنامجي المراقب الذي تبثه قنوات 24 السعودية وكانت الحلقة تحت عنوان: هل سيضحي نظام الملالي بقاسم سليماني؟ وكانت مخصصة للأخبار التي أعلن عنها الحرس الثوري حول إجهاض مخطط اغتيال سليماني وقلت حينها إن هذا الرجل يشكل عبئا ثقيلا على إيران في مسارها القادم، وأيضا تسبب في صراعات داخلية بين أجنحة الملالي ووصل الحال لدرجة اتهامه بالتورط في الفساد وطال ذلك حتى زوجته وزوجة الجعفري القائد السابق للحرس الثوري الإيراني.

في اعتقادي أن قاسم سليماني قدمته أطراف إيرانية عربون حسن نية للجانب الأمريكي من أجل تحويل المفاوضات من دائرتها السرية الجارية منذ أشهر بين الأجهزة الاستخباراتية برعاية دولة ثالثة، إلى الدائرة العلنية بين الجهات الرسمية الحكومية، وكان محل الخلاف الشديد هو دور فيلق القدس ونشاطاته في المنطقة وعلاقاته ببقية أدواته الأخرى في العراق واليمن وسوريا ولبنان وحتى فلسطين أيضا.

مقتل قاسم سليماني هو بداية التحول في الدور الإيراني خارج الحدود الإيرانية، وهذا التحول لن يكون سريعا طبعا وستكون هناك قلاقل وأزمات أخرى، لكن المشكلة أكبر من رأس قاسم سليماني بل تتعلق بمنظومة حكم لعبت أدوارا في مراحل عديدة بضوء أخضر من قوى كبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وحان أوان التخلص منها وفق مقاربات جديدة للشرق الأوسط.

مقتل قاسم سليماني بلا شك هي ضربة قوية لكنها ليست كما صورها، بل جهات إيرانية سواء في طهران أو لبنان أو العراق أو حتى سوريا تقف خلف تسريب معلومة خط سير الجنرال، وهي الجهات التي أرادت التخلص منه في إطار بداية التخلص التدريجي من الأدوات الإيرانية في الدول العربية، فلم يعد أمام نظام الملالي سوى التنازلات فالعقوبات شديدة والاقتصاد الإيراني مهدد بالانهيار والبلاد على موعد مع ثورة جياع وقودها أكثر من 50 مليون فقير بينهم أكثر من النصف لا يملكون قوت يومهم.

كيف تقيم الرد الإيراني على مقتل قاسم سليماني ؟

ما حدث لا يمكن أن يرقى إلى مستوى الرد بل هي خطوة في مسرحية يبدو أنه متفق عليها بين أجهزة معينة، فلا يعقل أن إيران التي هددت بنسف الولايات المتحدة وطردها من المنطقة وأنها قد تنسف أيضا الكيان الإسرائيلي وفي النهاية تكون عملية غير ناجحة بل فاشلة تماما تستهدف قاعدة عسكرية عراقية تتواجد بها قوات أمريكية ولم تسقط أي ضحية ولا خسائر تذكر، بل صواريخ أخطأت أهدافها وبينها التي سقطت بالقرب من مطار اربيل، وسبق العملية أن أخبرت إيران الجهات العراقية بها ولا يمكن لهذه الجهات أن تخفي سر عملية قد تؤدي إلى قتلى أمريكيين.

لم يبق لما سمي بالرد الإيراني سوى أن تسبقه دعوة عبر التلفزيون تطلب من الناس أن يترقبوا عملية صاروخية صباح اليوم الفلاني على الساعة كذا تستهدف قاعدة عين الأسد العراقية في إطار الرد الحازم والحاسم على مقتل سليماني.

أعتقد أن هذا الأمر هو المتوقع جدا فلا يمكن لإيران أن ترد على أمريكا بما قد يؤدي إلى إسقاط ضحايا أمريكان والتي تعني إعلان حرب ضد واشنطن وهذا الذي يعد أكبر من حجم إيران وقدراتها.

طهران حاولت حفظ ماء وجهها وكما أن الجهات التي سربت خط سير قاسم سليماني للقضاء عليه هي نفسها على ما أعتقد من أعطت موعد الرد وتفاصيله والذي لم يأت بنتيجة سوى إسقاط طائرة أوكرانية ستدفع ثمنها إيران غاليا وخاصة أنها كذبت في البداية ثم اعترفت بجريمة قد تتحول إلى إرهاب دولة بعدما اعترف الحرس الثوري بتنفيذها وهو المدرج أمريكيا في قوائم الإرهاب.

هل تتوقع زيادة التوتر بين أمريكا وإيران ؟

في اعتقادي لا يوجد توتر بين إيران وأمريكا، فالطرفان ليسا في مستوى واحد والموجود هو عقاب تأديبي أمريكي على إيران والتوتر يكون توتر إيراني ضد أمريكا وليس التوتر بين واشنطن وطهران.

الأمر لم يتجاوز درجة الغضب لحد ما والمتجسد في عقوبات يراد منها تعديل السلوك الإيراني في المنطقة، وإيران في موضع ضعيف وهش للغاية من حيث اقتصادها وأيضا من حيث تورطها في مستنقعات حروب في المنطقة ترتد سلبا عليها فضلا عن الاحتقان الشعبي الذي يعاني منه الملالي.

ما حدث أن أمريكا قتلت قاسم سليماني وإيران لم ترد كما هددت بل أنها فقأت عينها برد باهت وصفه الكثيرون بالمسخرة وما فعلته واشنطن أنها زادت من حجم العقوبات وماضية في سياستها العقابية على النظام الإيراني وهو ما يثقل كاهل الإيرانيين إلى درجات ستشكل كارثة داخلية أن طال أمدها ولم تسارع إيران في إيجاد مخارج لها، وأعتقد أن رأس قاسم سليماني هو عربون صدق النوايا قدمته أطراف في داخل النظام الإيراني من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ليس إلا.

ما تقييمك لمشاركة إسماعيل هنية في جنازة سليماني ؟

مشاركة إسماعيل هنية وحركة حماس في جنازة قاسم سليماني متوقعة جدا لدي فقد سبق وأن عزته في وفاة والده ونددت بمخطط اغتياله، فضلا عن تعزيتها لسمير القنطار الذي كان عنصرا في فيلق القدس ويقوم بمهمة قتل السوريين على الأراضي السورية.

لكن الذي صدم الكثيرين أنهم كانوا يعتقدون أن ما فعلته حماس هو بسبب محاصرتها من قبل دول عربية، لكن تصريحات المسؤولين في الجنازة شكلت صدمة كبيرة، عندما حولوه إلى شهيد القدس، وهو الذي كان في مهام لقتل السوريين والعراقيين وغيرهم. بل أن ممثل حماس في لبنان رفض تبريرات اضطرارها للتخندق مع ملالي طهران، وأكد أن ما تقوم به حماس هي قناعة لأنهم كيان واحد مع إيران، وهو ما يعني أن القضية ليست ضرورة أملتها ظروف معينة بل عقيدة راسخة في الصف الحمساوي.

هذا ليس بالغريب وهو تطور متوقع، فحماس لديها علاقات وطيدة مع إيران منذ عام 1990 أي بعد ثلاث سنوات من تأسيسها، ويوجد من يتحدث عن مساهمة الملالي في تأسيسها أصلا، وطالما الحركة عبرت عن مواقفها المؤيدة لإيران، ومعاكستها للمواقف العربية والإسلامية، ضمن ولاء تنظيمي وليس وطني للأسف الشديد.

لكن الذي يبدو بوضوح أن هذه المرة أعلنت رسميا عن ولائها المطلق للإيرانيين، وحتى أن حاجي زادة قائد قوة الجو فضاء للحرس الثوري، أقام ندوة صحفية ووضع إعلام أدوات إيران ومن بينها حماس وكان بجنب حزب الله والحشد الشعبي والحوثييين ولواء فاطميون ولواء زينبيون، وهي سابقة بهذا الشكل الصريح والرسمي في ظل ظروف استثنائية، ولم تحدث من قبل حسب متابعتي للشأن الإيراني.

لقد ظلت نسبة كبيرة من الشعوب العربية تدافع عن حماس وكثيرون برروا لها لجوءها إلى إيران بسبب عدم دعمها من الحكومات العربية، لكن ما وصل اليه الحال قد خيب الآمال كثيرا، وكشف أن الحركة ليست مقاومة قد تضطر لتحالفات وفق معايير معينة، وليس لدرجة الذوبان والانصهار في اقداح الآخرين وخاصة مع ميليشيات مارست الجرائم بحق عدة شعوب.

ما حدث خطير للغاية ومغامرة غير محسوبة العواقب، تكون آخر إسفين دقه الحمساويون في مسار صناعة نعش لحركتهم.

لقد لمست الغضب الكبير عبر مواقع التواصل وحتى من أطراف تعتبر من الموالين لحماس وهناك مطالبات بضرورة التحرك داخل الحركة لاستبعاد ومحاسبة القياديين الموالين لإيران فلا يمكن أن يعتبر هنية قاسم سليماني شهيد القدس وهو الذي ذبح حتى الفلسطينيين في مخيم اليرموك في سوريا.

ما أقدمت عليه حماس أمر ليس بالهين وقد أفقدها الكثير وخاصة بين الشعوب التي شكلت حاضنة لها لكنها غدرت بها في لحظة تتعرض فيها للذبح من فيلق القدس بأوامر من خامنئي وبقيادة قاسم سليماني.

مقالات متشابهة