29 يونيو، 2020
الحوار الجزائرية
أراء مساهمات

سلسلة النخب الفاعلة 4: سيدي لخضر بن خلوف – مارشال المقاومة وشاعر المتصوفة

سلسلة النخب الفاعلة 4
سيدي لخضر بن خلوف
مارشال المقاومة وشاعر المتصوفة
كل عام تحتفل مستغانم والعديد من سكان الغرب الجزائري بحضرة سيدي لخضر بن خلوف في آخر شهر اوت حيث الإطعام والفروسية والدعاء والمصالحة بين المتخاصمين وغيرها من خلال البر وخصال الخير التي قوتها المنطقة من أعمال سيدي بن خلوف رحمه الله.
وإن تخللت تلك التظاهرات أعمال وممارسات تقلل من قدرها التاريخي وبريقها الحضاري فإن ذلك جزء من آثار الاستعمار لم يصحح ونوع من أعمال الوصوليين المقتاتين على الدروشة وتقصير من السلط في حماية الموروث الوطني و خطأ من النخب التي لم تنزل من ابراجها العاجية إلى الرأي العام وتساهم في مرافقته نحو صناعة المستقبل على ضوء الماضي وتزيل عنه ممارسات التخدير بامجاد الماضي دون وعي بدرسها التاريخي.
مزغران الانتصار المغيب.
معركة مزغران هي واحدة من ملاحم الشعب الجزائري في مقاومته الاستعمار الاسباني عام 1558 حيث انتصر الجزائريون زمن حسان بن خير الدين بربروس على ايام العثمانيين وبمشاركة سيدي لخظر بن خلوف في المعركة اين انهزم الإسبان وأسر منهم الآلاف ودمر اسطولهم وبقيت الجزائر صامدة في وجه الحملات الصليبية وخلد الشاعر المجاهد لخضر بن خلوف ذلك للتاريخ بقوله
يا فارس من ثم جيت اليوم * قصّة مازغران معلومة
يا عجلانة ريّض الملجوم * ريت اجناح الشلو معدومة
وبالرغم من ظن شاعرنا أن مزغران معلومة لكن للاسف لم تعد اليوم معلومة بعد أن طمسها فرنسا متعمدة واهملها البحث العلمي والتناول الإعلامي على ضخامتها العسكرية واهميتها الاستراتيجية التي صورتها أبيات قصيدته المخصصة لها بقوله :
حزناهم للصور ذاك اليوم * تسعة آلاف ابقت مغنومة
من حيط الدشرة لحوش البوم * عشر آلاف امشات محطومة.
وقد كان سيدي لحظر بن خلوف أحد قادتها والفاعلبن فيها برمزيته الروحية وفروسيته المميزة وادائه العسكري الذي استحق بعده أن يسمى المارشال لحظر بن خلوف وكتبته المراجع الإسبانية باسم :الجنرال لخظر بن خلوف حيث كان أحد صانعي النصر على الكونت دالكوديت قائد الحملة الصليبية الإسبانية الذي وصف عملية قتله بقوله :
اكبير النيف الكلب راسه طار * و الرڨبة من العنڨ مڨطوعة
ضربه شاطر حط بالمطيار * يلغى له باصوات منزوعة
كما وصف مشاركته العسكرية بشكل مميز يعكس تلك الفاعلية والحضور النخبةي في عمق المعارك الميدانية بما يترجم تلبس الأفكار بالممارسات وتحول الروح العلمية إلى الإنجاز الواقعي بشجاعة المثقف وامامةىالنخب الفاعلة الرأي العام في مواجهة التحديات مهما كانت التكاليف :
سيفي مجرده وانا نضرب فالاعداء * و الناس ضاجة من زجري بالخوف
خلفي و عن امامي الجماجم راكدة * و الخلق طائحة تحسب بالالوف
المصلح المغيب في الدروشة
لم تكن معركة مزغران الوحيدة في جهاد رجل عاش 125عاما بل شارك في كثير غيرها كما تقلب فيها في العديد من مناحي الاصلاح والعمل والتنسيق لجهود تداخل فيها الجهاد مع العلم مع التصوف والزهد وتقلب فيها بين الجزائر مستغانم ووهران بل له حضور في صحراء الجزائر يذكره اهل سوف أقامته بينهم إلى اليوم كما سجلته المراجع المختلفة .
جوزت مائة و خمسة و عشرين سنة حساب * و زدت من وراء سني ستة اشهور
منهم امشات ربعين سنة مثل السراب *
والمتبقى امشى في مديح المبرور.
وقد كانت نزعته الصوفية نزعة الشريعة والحقيقة والعلم والجهاد من طريق الغوث عبد الحق ابي مدين بعد أن زار تلمسان حيث كانت مقارباته الشيخ شيوخ الزهد واحد رادة الجهاد الجزائري في فلسطين الأمة صرح العلم من تلمسان إلى بجاية سيدي بومدين الغوث رحمه الله دفين العباد بتلمسان حيث سجل ذلك الارتباط بقوله :
من بعد خمسين عام وانا نستنى
اسعيت بروح راحتي
كنت على كل يوم تاخذني ضيقه
مكوية امنورة بنور الاسرار
حتى جاد الاله من ليه البقاء
انعم عليا بزورت امام الجدار
شديت على عمامتي
يا سعدي وفرحتي
من بومدين المغيث جبت الامانة
بها وفيت حاجتي
الشيخ الصالح المصلح لخضر بن خلوف نموذج لإنسان القرن التاسع الهجري في الجزائر حيث لعبت المؤثرات الروحية في الأمة أدوارها الجهادية والسياسية وحيث كان الرأي العام مرتبطا بالقدوة وملتزما بأداء الواجب من خلال رؤية قيمية اسلامية واضحة ، وتمازج عالمي بين مكونات أمة الإسلام في وجه الحملات التي فرضها الصراع الحضاري بين ضفتي المتوسط.
لكن من يتغنى بقصائد سيدي لخضر بن خلوف اليوم لا يتجاوز مقامات الاداء نحو مقامات الرتب العسكرية ولا الى مقامات ومدارج السالكين الصوفية ، ولا إلى مناحي الممارسة الإصلاحية التي تضمنها ديوان القريض وضيعها العقل المريض.
أحمد الدان

مقالات متشابهة