20 سبتمبر، 2020
الحوار الجزائرية
أراء مساهمات

مساهمة حول إثراء مسودة تعديل الدستور لـ : “بشير فريك”

– في البداية لابد من إبداء الشكر لرئاسة الجمهورية التي شرفتني “بالاستشارة” حول تعديل الدستور من خلال المسودة التي وصلتني بتاريخ 15 ماي 2020.

– استلمت نسخة المسودة ونحن في شهر رمضان وتحت نظام الحجر الصحي نتيجة تفشي وباء الكورونا المستجد بضغوطاته المعنوية والنفسية والصحية،

– فتصفّحتها من عرض الأسباب والمذكرة والديباجة إلى المواد الـ 240، ووضعت ملاحظات واقتراحات حسب ما أرى أنه من الضروري إبداء الرأي حولها من النصوص والأحكام المقترحة.

– فوجدت أن الأمر يتطلب عملًا كبيرًا جدا، وقد لا أوفق في تقديم الإضافات الممكنة حسب قناعاتي في جلّ المواد والأحكام المراد مناقشتها وإبداء الرأي والاقتراح بشأنها، وهي كثيرة ومتعددة،

– ولأن الأمر كذلك واحترامًا لجهد اللجنة وما توصلت إليه حسبما سمحت به رسالة التكليف، وتسهيلًا لعملها في جمع الاقتراحات ودراستها لإعداد المشروع الأولي للدستور،

* فقد فضلت الاكتفاء بمساهمتي حول موضوع:

الجماعات المحلية (الإقليمية) بحكم التجربة، وقد سبق أن كتبت بشأنها عدة مؤلفات، وهذا رغم ما لديّ من آراء ومواقف بشأن الكثير من أحكام المسودة، سيما في الفصل بين السلطات، واستقلال العدالة، والمحكمة الدستورية….الخ، حيث ما زالت بصمة السلطة التنفيذية مهيمنة بشكل واضح.

الباب الأول

الفصل الثالث

الدولة:

نلاحظ أن المسودة خصّت الجماعات المحلية (الإقليمية) بالفقرة الثالثة من المادة 15، والمادة 16 بفقراتها الثلاثة والمادة 17 التي تعتبر مادة جديدة والمادة 18 القديمة الجديدة، والتي هي عبارة عن مبادئ سياسية أكثر منها إدارية قانونية.

وسأحاول مناقشة هذه المواد بفقراتها، ثم إبداء الاقتراحات بشأنها، علما أن المسودة لم تعط الاهتمام اللازم للجماعات المحلية رغم أنها عصب الدولة وبنائها القاعدي.

المادة 15:

الفقرة 3: تشجع الدولة الديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات الإقليمية،

فالديمقراطية التشاركية مصطلح سياسي جديد أدخله المؤسس الدستوري في الفقرة الأخيرة من المادة 15 من دستور 2016.

ولكن آليات تطبيق وتجسيد ذلك ميدانيا لم ينص عليه الدستور ولو بإشارة، مما جعله عبارة عن شعار “للاستهلاك” السياسوي لدى الأحزاب والإدارة على السواء دون وضعه موضع التنفيذ، وظلّت الجماعات المحلية (البلدية والولاية) تعمل وفق ميكانيزمات عتيقة في التعامل مع المواطن، بل حتى اجتماعات المجالس المنتخبة يحرم الجمهور من حضورها رغم النص على إمكانية حضور المواطنين جلسات هذه المجالس.

وعليه، أفضّل صياغة المادة كالتالي:

«تعمل الدولة على ضمان الديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات الإقليمية من خلال النص على ذلك في قانوني البلدية والولاية».

المادة 16:

1 – الجماعات الإقليمية للدولة هي: البلدية والولاية.

2 – البلدية هي الجماعة القاعدية.

3 – يمكن القانون أن يخص بعض البلديات بنظام خاص:

هناك جملة من الأفكار المتداولة حول واقع الجماعات المحلية الإقليمية هل تبقى على الشكل الحالي: (البلدية/ الولاية) أو توسع قاعديا وجهويا، لأن متطلبات الواقع المحلي والجهوي يفرض ذلك لإضفاء المزيد من النجاعة التنموية والتكفل بالخصوصيات المحلية قاعديا و جهويا.

أ على المستوى القاعدي: ما يميز المجتمع المحلي هو وجود تجمعات سكانية هامة سواء في الأحياء الحضرية أو القرى في البلديات الريفية، ورغم أهميتها لم ترتق إلى مستوى البلديات، ومع ذلك لها نظامها الاجتماعي عادة ما ينظم عن طريق الجماعة أو الجمعية المحلية من خلال كبار القرية أو الحي وعقلائها و أعيانها، حيث يحتكم الجميع إليهم ولهم سلطة معنوية محترمة لدى أغلبية السكان، وغالبا ما يتولى هذا التنظيم العرفي التصدي للخلافات المحلية فيما بين الناس وفي المجالات ذات الاهتمام المشترك (شق الطرق، إيصال المياه والكهرباء، بناء المساجد والمستوصفات …الخ)، وكثيرا ما كانت هي الواسطة بين المواطنين والسلطات العمومية الإدارية والمنتخبين والجهات الأمنية.

وقد أخذت بعض الدول بنظام “القرى” وتم تقنينه باعتباره واقعا إيجابيا من شأنه تجسيد مبدأ الديمقراطية التشاركية عملا وميدانيا، ويكون ممثلين عنهم كأعضاء في المجالس البلدية المنتخبة بعضوية كاملة الحقوق.

– ومن هنا نرى أنه يمكن طرح فكرة:

«اعتبار القرية أو الحي كجماعة محلية قاعدية».

ويتم تقنين وتنظيم ذلك بموجب نصوص قانونية وتنظيمية، لأنه واقع إيجابي لابد من تثمينه ودعمه.

ب على مستوى النواحي أو الجهات:

إذا كانت المسودة تقترح: البلدية والولاية هما الجماعات الإقليمية للدولة، فإننا نرى أنه من المفيد والأهمية إضافة جماعة إقليمية جديدة هي الناحية أو الجهة.

حيث أن هذه الفكرة ليست جديدة وطرحت رسميا منذ سنوات خلت، إلا أن هاجس التخوف من «الجهوية العرقية السلبية» والتي قد تمس بوحدة وانسجام واستقرار البلاد قد حال دون المضي في طريق الجهونة، أو النواحي، وهذا رغم أهميته وأبعاده الإيجابية من أجل حسن التسيير والتخطيط والبرمجة في ظل نظام الجهات، أو الأقاليم أو النواحي.

فهذا النظام ليس له ولن يكون له أي بعد سياسي أو خلفية جهوية عرقية من شأنها أن تضعف وحدة الأمة سياسيا وانسجامها اجتماعيا أو المساس بتكاملها الوطني.

– إن حتميات التنمية تفرض انتهاج أساليب جديدة للتحكم أحسن في الأقاليم والنواحي، سيما بعد ارتفاع عدد الولايات وبعدها عن مراكز القرار في العاصمة، ووجود مناطق أو جهات متجانسة متكاملة جغرافيا، ثقافيا واقتصاديا، فمن الأهمية بمكان تثمين تلك الخصوصيات من خلال كيانات جهوية أو إقليمية تضمن البرمجة والتخطيط والإنجازو التنسيق لإنجازالمشاريع التنموية المشتركة، كالطرق، والتحويلات الكبرى للمياه، واستغلال السدود والمحيطات الفلاحية والأقطاب الصناعية والسياحية إلخ… وذلك من خلال وجود والي جهوي ينشط ويراقب ويقيم عمل الولاة التابعين للجهة، ويكون همزة وصل بين الولايات والسلطات المركزية والجهات الأمنية بمعية المجلس الجهوي المنتخب الذي يضبط الاستراتيجيات والمخططات التنموية ويراقبها ويسهر على حسن سير العملية التنموية والثقافية حسب الأعراف والخصوصيات التي تتمتع بها كل منطقة في ظل الوحدة القوية بقوة المشاركة الفعالة للسكان من خلال مجالسهم المحلية والجهوية في العملية التنموية ديمقراطيا.

– ويمكننا الاستعانة بتجارب غيرنا في مجال الإدارة المحلية والجهوية سيما في فرنسا، أنجلترا، مصر إلخ…

فالمهم علينا أن نتغلب وعن قناعة على حاجز التخوف من البعد الجهوي بمفهومه السلبي، فالثورة كانت منظمة في ست ولايات ولم يحدث أي شرخ جهوي فيها ونجحت في استعادة السيادة الوطنية.

والجيش الوطني الشعبي ومنذ الاستقلال ولحد الآن منظم إقليميا في ست نواحي عسكرية وظل المؤسسة الأكثر قوة والأكثر انسجاما ووحدة وضمن حماية التراب الوطني وأمن واستقرار الجزائر.

فلماذا نتخوف من “وهم الجهوية” ونتخوف من إنشاء كيان إداري بحت وسيط بين الولايات والسلطات المركزية لأهداف تنموية واجتماعية بصورة ناجعة باعتبار “الجهة” أو الناحية أو الإقليم، كهمزة وصل وتنسيق بين ولايات الناحية أو الجهة لضمان حسن التواصل والتخطيط والبرمجة والإنجاز والتكفل الديمقراطي بانشغالات المناطق حسب خصوصيتها الجغرافية والثقافية، ومن هنا نرى أنه يمكن صياغة الفقرة الأولى من المادة 16 من المسودة كالتالي:

«الجماعات الإقليمية للدولة: هي القرية، البلدية، الولاية، الجهة».

ويمكن تسمية الكيان الجديد: بالناحية أو الإقليم إذا كانت هناك حساسية إزاء الجهة.

ج نظام خاص لبعض البلديات:

ذكرت الفقرة الثالثة من المادة 16 أنه:

يمكن للقانون أن يخص بعض البلديات بنظام خاص.

– أعتقد أن هذه المادة مهمة عندما سمح المؤسس الدستوري بمراعاة خصوصية وواقع وحجم بعض البلديات وإعطائها عن طريق نص قانوني نظام خاص، نظرا لوظائفها أو حجمها أو خصوصيتها، سواء تعلق الأمر بالمدن الكبرى، أو التجمعات السكانية ذات الخصوصيات المتميزة، أو كثافتها السكانية، فلا يعقل أن نبقى في الوضع الحالي، حيث يطبق نفس القانون والتنظيم على بلدية من مليون ساكن وأخرى بخمسة آلاف ساكن، فالوظائف والأعباء والتطلعات والانشغالات غير متكافئة بين هذه وتلك، ثم إنه يمكن تخصيص نظام خاص لبعض البلديات الاستراتيجية صناعيا لضمان أمنها (حاسي مسعود، حاسي الرمل، سكيكدة، آرزيو إلخ…)

فهذا النص الدستوري يسمح بأي نظام تراه السلطات لفائدة حسن تسيير هذه البلديات لتفادي ما حدث مع “محافظة الجزائر الكبرى” عندما ألغيت بدعوى عدم دستوريتها.

المادة 17:

«تقوم العلاقة بين الدولة والجماعات الإقليمية على مبادئ اللامركزية وعدم التركيز».

– بصرف النظر على أن هذه المادة جديدة، فإنها تثير التساؤل عن خلفية إثارتها دستوريا والمساواة في العلاقة بين الدولة والجماعات الإقليمية على أساس مبادئ اللامركزية وعدم التركيز.

فنحن نعرف أن النظام الإداري المحلي ومنذ الاستقلال يرتكز على نظام اللامركزية، حيث تشكل المجالس المنتخبة أهم أركانها وتسعى الدولة لتقوية دور تلك المجالس في تولي الشؤون المحلية تكريسا للديمقراطية بمفهومها الواسع.

– وفي الواقع نجد أن “عدم التركيز” من خلال أعوان الدولة الوالي والمجلس التنفيذي.. يشكلون الطرف الأقوى في معادلة الحكم المحلي باعتبارهم ممثلين للسلطات المركزية (الوزارات).

– فالمعادلة مختلة عمليا وواقعيا وكل المختصين والسياسيين وحتى الإداريين القانونيين ينادون بتخفيف عبء الإداري على المنتخب في البلديات وخاصة الولايات، حيث يهيمن الوالي وتفقد اللامركزية مغزاها وبعدها في إسناد أعباء التكفل بانشغالات المواطنين إلى ممثليهم المنتخبين.

– في حين يحتج أصحاب الرأي الآخر بضرورة وجود الرقابة على عمل المجالس من جهة وتمكينها من كفاءات الخبرة الإدارية والتقنية والمالية في تسيير الشؤون العمومية المحلية.

إن التخوف القائم من سن هذه المادة الدستورية المكرسة للمساواة بين المنتخبين والإداريين على مستوى الجماعات الإقليمية من خلال الاعتراف دستوريا بأن الإداري الممثل لعدم التركيز على نفس العلاقة مع المجلس المنتخب الممثل للامركزية في علاقات الجماعة الإقليمية بالدولة، رغم أن المجالس المنتخبة هي قاعدة اللامركزية في نظامنا الإداري المحلي المؤسس على مبادئ اللامركزية منذ الاستقلال، فهذا الأمر من شأنه أن يقوي تغول «أجهزة عدم التركيز» على المنتخبين ويهمش أكثر المجالس المحلية التي تشكل أساس وقاعدة اللامركزية حسب المادة 18 من المسودة.

ومن هنا أرى أنه لا جدوى من هذه المادة في الدستور في الوقت الذي نركز في خطاباتنا السياسية على دور المجالس المنتخبة في ترسيخ الديمقراطية المحلية.

* من أجل قانون أساسي لسلك الولاة:

لاحظنا كيف أن المؤسس الدستوري في المسودة يعترف بوضوح “بنظام عدم التركيز الإداري” وعلى مستوى  الجماعات الإقليمية ويساوي بينه وبين نظام اللامركزية في العلاقة بين الدولة والجماعات الإقليمية (المادة 17 المشار إليها). فإذا كان المجلس المنتخب يمثل قاعدة اللامركزية حسب المادة 18 من المسودة، ويحدد قانونا البلدية والولاية والنصوص التنظيمية كيفية انتخاب المجالس وسيرها وعملها.

فإننا نلاحظ أن الطرف الثاني في معادلة الحكم المحلي الممثل في مسؤول الجهاز عدم التركيزأو الجهاز التنفيذي وهو الوالي وسلكه ليس له أي نص قانوني ولا تنظيمي يضبط مساره على غرار الأسلاك الكبرى في الدولة، مثل السلك الدبلوماسي أو القضائي إلخ…

إن إشكالية انعدام قانون أساسي لسلك الولاة جعل هذه الإطارات في حالة “تشرذم” وأدى إلى انعكاسات سلبية جدا على أدائها ميدانيا، فالوالي، والأمين العام، ورئيس الدائرة مثلا لا يعرف أحدهم لماذا عين في المنصب ولماذا عزل، وما هي شروط الالتحاق بهذا السلك والترقية فيه وتطور مساره الوظيفي.

– إن سلكا حساسا عليه ترتكز الإدارة المحلية وعبره تمر التنمية الوطنية بأكثر من 75 ٪ يبقى في هذه الوضعية خاضع لأمزجة وزراء الداخلية وتقارير مصالح الأمن، لا يمكن أن يرتجى منه خيرا.

ولأن تعيين الولاة من صلاحيات رئيس الجمهورية دستوريا منذ دستور  1996 وفي مشروع المسودة في مادته 96، فإننا نقترح الإشارة إلى ضرورة تمكين سلك الولاة من قانون أساسي كغيره من الأسلاك الكبرى في الدولة كما أشرنا.

وأنا على ثقة أن للسادة أعضاء اللجنة الكفاءة والقدرة على إيجاد الصيغة التي يدرج بها هذا المقترح في الدستور مثلا:

المادة 96: «يعين رئيس الجمهورية في سلك الولاة بناء على مقتضيات القانون الأساسي الخاص بهم».

 

 

بشير فريك والي سابق

 

 

مقالات متشابهة