10 يونيو، 2020
الحوار الجزائرية
أراء مساهمات

رمضان في فصول الكلمات

 

رمضان في فصول الكلمات

ماء الوجه

بقلم:حاج بن دوخة

يروى أن عالما جليلا من علماء الإسلام ذا مال وجاه حضر مجلسه تلاميذته وطلاب العلم وبينما هم كذلك دخل عليهم رجل غريب لا يعرفونه ولا يبدو عليه مظهر طلاب العلم لكنه بدا للوهلة الأولى عزيز القوم الذي أذلته الحياة، دخل وسلم، جلس حيث انتهى به المجلس، أخذ يستمع للشيخ بأدب وإنصات وبيده قارورة فيها ما يشبه الماء، لا تفارقه، قطع الشيخ حديثه والتفت إلى الرجل الغريب وتفرس في وجهه ثم سأله: ألك حاجة فنقضيها أم لك سؤال فنجيبك، فقال الضيف: لا هذا ولا ذاك، وإنما أنا تاجر، سمعت عن علمك وخلقك، فجئت أبيعك هذه القارورة التي أقسمت أن لا أبيعها إلا لمن يقدر قيمتها وأنت حقيق بذلك، قال الشيخ: ناولني إياها، فناوله إياها، فأخذ الشيخ يتأملها ويحرك رأسه إعجابا بها، ثم التفت إلى الضيف، فقال له: بكم تبيعها ؟، قال: بمائة دينار، فرد عليه الشيخ: هذا قليل جدا عليها، سأعطيك مائة وخمسين دينار، فقال الضيف: بل مائة كاملة لا تزيد ولا تنقص، فقال لابنه: أدخل عند أمك واحضر مائة دينار من الصندوق، وفعلا تسلم الضيف المبلغ ومضى إلى حال سبيله مبتسما ابتسامة مقهورة، ثم انفض المجلس، خرج الحاضرون وكلهم متعجبون من هذا الماء الذي باعه بمائة دينار، دخل الشيخ إلى مخدعه للنوم ولكن الفضول دعا ولده إلى تفحص القارورة ومعرفة ما فيها حتى تأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه ماء عادي، دخل إلى والده مسرعا، مندهشا صارخا:  يا حكيم الحكماء، لقد خدعك الغريب، فوالله مازاد على أن باعك ماء بمائة دينار و لا أدري أأعجب من دهائه وخبثه أم من طيبتك وتسرعك، ضحك الشيخ حتى بدت نواجده، وقال لولده: يا بني لقد نظرت ببصرك فرأيته ماء عاديا، أما أنا فنظرت  بنور بصيرتي فرأيته جاء يحمل في القارورة ماء وجهه التي أبت عليه عزة نفسه أن يريقه أمام الحاضرين بالسؤال و كانت له حاجة في مبلغ يقضي به حاجته، لا يريد أكثر منه، و الحمد لله الذي وفقني لإجابته، ولو أقسمت ألف مرة أن ما دفعته فيه قليل ما حنثت بيميني.

مقالات متشابهة