8 يونيو، 2020
الحوار الجزائرية
أراء مساهمات

بشر في نسخة آلية

بشر في نسخة آلية

بقلم: حاج بن دوخة

 وأخيرا عاصرنا جيلا كان التنبؤ به يفزع القلب ويربك الوجدان ويهز الكيان، وكم تمنينا أن لا يصيب هذا التنبؤ وأن يخطئ، لأن في خطئه رحمة للإنسان وللأرض وحماية للعرض، لكنه اليوم -و يا أسفاه- هو واقعة فُرِضَت علينا والتصقت بمعيشتنا عنوة وألبستنا ما كنا نتوجس منه خيفة.
هو جيل من لحمنا ودمنا وسليل أرحامنا وأصلابنا، لكنه ثار على طينه وتمرد على طبيعته وأحدث قطيعة مع أصالته وأنتج فهما لا يليق بحقيقتنا فهم خال من المنطق والاتزان.
يزعم أنه ركب موجة الحرية والمدنية فاستباح ما يهلكه ونزع الحظر عن ما يبيده، وقد يتسع تعمده ويتمدد، وحين يأخذك النصح إليه يحسبك رجعيا متخلفا وينعت كل ناصح أمين أنه حبيس الماضي وأسير بعبع المألوف أو أنه خارج دائرة الوعي.
فالحضارة عنده في غرابة تسريحة الشعر، وفي ثياب ممزقة يقتنيها بأكثر من راتب والده، والحداثة في غلظة اللسان ورفض النصيحة وفرض الرأي المزاجي على علية القوم والأولياء.
إنه فهم غريب وعجيب اكتسح كافة مناحي الحياة، فلم يسلم منه ركن أو مجال، فما عادت الأسرة فيتامينا سيكولوجيا، وما عادت المدرسة مرفأ نصح وتوجيه، وما عاد المسجد منبر هداية وتنوير و…. وأنا في هذا المقام لا أنكر أدوار هذه المؤسسات ولا أنفي حسن نواياها، لكني أنبه فقط إلى صعوبة ترويض هذا الجيل واستحالة تطويع أنماطه وتهذيب مزاجه.
ميقات بلا موعد، هكذا يبدو جعل النفس رخيصة والشرف أرخص والإنسان أبخس، وسأمنع قلمي من خط الحروف الثلاثية – ق ي م – حتى لا أٌتَهم بإثارة جرح مازال ينبض بالحياة.
مع هذا التصور الجديد، عاد الشذوذ أصلا والقاعدة استثناء، ولكم واسع التمعن في هذا!!.
أبهذا النوع البشري نصنع الإنسان ونصون الأوطان؟! منتهى الخطورة أن يفقد الوطن ميزات القوى والثوابت في شعبه.
هل الملامة في هذا الجيل؟ وهل التثريب يوجه للعولمة؟! لا نهدر الوقت في تحديد جهات المسؤولية، فنحن كلنا مشاركون بالفعل أو بالحياد أو بالجبن أو بالصمت.
إن تنشئة فرد صالح في خلقه وسوي في سريرته ومعتدل في منهاجه هو أعظم خدمة للوطن وأنجع مساهمة لتقويته وتمتينه وتحصينه.
الوضع الأخلاقي ينذر بالخطر جراء شيوع سلوكيات غريبة وشاذة عن مجتمعنا صادرة منا ومن أبنائنا فإن لم نسارع بالجهد والمسعى والحرص فالمآل حتما وجود إنسان في نسخته الآلية مع ثورة على معدن الصنع.

مقالات متشابهة