5 يوليو، 2020
الحوار الجزائرية
وطني

من الصراع حول الأفكار إلى الصراع حول القوائم

علي خفيف
تابعت في وسائل الإعلام وفي وسائط التواصل الاجتماعي عمليّة إعداد القوائم الخاصة بالترشيحات للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها بتاريخ 4 ماي 2017، وكان أهم ما لاحظْتُه أنّ صراعا مَـحْمُوماً صاحَبَ العمليّةَ على جميع المستويات، داخل الأحزاب فيما بين أعضائها، وبين الفصائل التي سعت إلى الوحدة فيما بينها، كما لاحظْتُ أنّ هناك صراعا بين الأجيال بدأ يبرز على جميع المستويات، إلى جانب بعض النَّعَرات الجهويّة أيضا..نجم عن ذلك معارك لفظية شديدة، نزَلَتْ إلى القذف والتشهير وحتى الإسفاف والفحش في بعض الأحيان، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول مستوى التّكوين والالتزام والانضباط الذي يُفْتَرَضُ وجودُه داخل أحزاب عُرِفَتْ سابقا بأخلاقها وتقاليدها النضالية المنضبطة !..
كما أنّ أكثر شيء لفت انتباهي في العمليّة هو غياب الطرح الفكري في عمليّة التنافس، إذْ كان النقاش كلّه يدور حول الأشخاص الذين يستفيدون من الترشح للبرلمان، وكان المتنافسون كثيرا ما يوظفون عبارة إنّ فلانا قد سبق له أن استفاد من عهدة أو عهدتين في البرلمان، يعني أنّه استفاد مادّيا، وعليه أن يكتفي وينسحب ليترك غيرَه يستفيد، وكأنّ الأمر يتعلّق بالتّداول على الاستفادة من راتب شهريّ معتَبر وحصانة برلمانيّة فقط!..بدليل أننا لم نر أحدا من المتنافسين طالب أحدا من المستفيدين بتقديم حصيلة لنشاطه البرلماني، ليتم الحكم على نجاحه أو فشله بالأدلّة، ويطالب باستبعاده بناءً على ذلك!..ما يجعلنا نستنتج أن عمليّة الصراع تحرّكها المطالبة بأن يأخذ المناضل حقّه بالتّداول مقابل ما قَدَّمَهُ من نضال، وما أبداه من وطنيّة، ولقد صدق من قال: ״عندما تكون الوطنيّة بمقابل حينها يَكْثُرُ الوطنيّون״ !..
كنت أتمنى أن تكون معركةُ الترشيحات عرسا حقيقيّا لاستعراض برامج انتخابيّة حقيقيّة ثقافيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، تُطرَحُ للنقاش الواسع من أجل إثرائها واختبارها من قِبَل الطبقة السيّاسيّة والإعلاميّة وكلّ المواطنين، ليتمّ على أساسها اختيار المرشّحين من أجل تنفيذها وإنجازها على أرض الواقع، لأنه عند ذلك فقط يكون البرلمانيّ قيمةً مضافةً حقيقيّةً إلى الحياة السيّاسية الوطنيّة، وإلى المواطن الـمقهور الذي يئس من العثور عمّن يمثّله بصدق وكفاءة، ودفعه ذلك إلى الكُفْر بالسّياسة والسياسيين والأحزاب!..
يلاحظ المتابع للنقاش الدّائر بالعين المجرّدة، أن هناك تصحّـرا سيّاسيّا وقحطا فكريّا وثقافيّا كبيرا، يُعْتَــبَـرُ تراجعا هائلا عمّا كانت عليه الجزائر قبل سنوات، فلا أحد من الجزائريين لا يعرف كيف كانت نهايةُ الثمانينات، مثلا، مَشْـتَلَـةً حقيقيّةً لتلاقح وتنافس الأفكار والبرامج الثقاقيّة والاجتماعيّة، فكان الحزب الواحد، وكان الإسلاميّون وكان اليساريّون وكانت الأطروحات المستقلّة عن كلّ ذلك..بل كان حتى داخل التيّار الواحد أطروحات عديدة متعايشة، فداخل حزب جبهة التحرير الوطني، كان هناك من يـُمَثِّل اليسار وهناك من يمثّل التوجّه الليبرالي، وهناك من يمثّل المتديّنين ويناصر الطرح الإسلامي، وهناك من يمثّل التوجّه البعثي العروبي، كما أنّ هناك من يحمل لواء التغريب والحداثة، وهكذا..وتجد داخل الإسلاميين من يعتبر نفسه امتدادا لتيار الإخوان، ومن يوصف بالإقليميّة، ومن يوصف بالجزأرة، ومن يستند إلى فكر جمعيّة العلماء المسلمين، وهناك من يمثّل الزوايا، وهكذا.. وكان النضال في إطار ذلك تضحيّةً وبذلاً عن قناعة وبلا مقابل.. أمام كلّ ما سبق يلحّ علينا السّؤال التالي: أين اختفى كلّ هذا الثّراء الفكري والنّضالي، وما كان ينتج عنه من برامج، ليُخْتَزَلَ المشهدُ كلُّه في الصراع حول أشخاص؟ أي حول من يستفيد!؟..
في النهاية لا يفوتني التنويه إلى أنني رأيْتُ مواقف مُشْرِقةً أيضا، حتى لا ننظر إلى النصف الفارغ من الكأسِ فقط، مَـثَّـلَ هذه المواقف كثيرٌ من الشرفاء الذين تعفّفوا عن الترشّح تاركين المجال لغيرهم، ومن الذين تقدّموا إلى الترشّح وهم يَحْمِلون برامجَ تَخْدِمُ الوطن، كما مثّلها كثيرٌ من العقلاء الذين كانوا يَدْعُون إلى التعقُّل وتغليب المصلحة العامّة ومصلحة الجزائر على مصلحة الأشخاص..إلى كلّ أولئك أرفع ألف تحيّة.

مقالات متشابهة