6 يوليو، 2020
الحوار الجزائرية
مساهمات

نتذكر.. ونشهد عن الأولين

طارق مصاروة

 يهتم بعض طلابنا من أهل التميّز، بسيرة وحياة الجيل السابق منا، وبشهادة جيلنا عنهم، شأن كل شعب أوقف فصل حياته عن حيوات السابقين من أهله، تبعاً للحداثة، والتطور، وعالمية الفكر والسلوك.

هذه المناهج التي تغص بها الدراسات العليا في جامعاتنا، قد تكون هي التراث الباقي لأجيالنا الطالعة، وأنا هنا لا أحاول إسباغ القداسة على الأولين، وإنما أحاول أن أنصفهم بما كسبت عقولهم، وهم ورثة قرون الجهل والتجهيل العثمانية، وورثة استعمار حاول تغريب العقل الجمعي لطلبة راس روس من طلاب السكاكيني، رحمه الله.

سأكون هذا الأسبوع شاهداً على حياة مبدعين من الجيل الذي سبقنا، روائيين، وكُتّاب صحافة يومية، وأهل معرفة وقصة وترجمة، وأظن أن توثيق الباحثين المميزين سيكون بالصوت والصورة، وهذه إحدى عطايا التكنولوجيا الحديثة التي تستطيع أجيال العصر من الباحثين تطويعها لجعل الحقائق أوضح، وأقرب إلى المتابع وطالب المعرفة.

إن أكثر الذين أتواضع أمامهم، من الجيل الذي سبقنا، وأقدم للمميّزين من طلبة المعرفة الأردنيين بعضاً من ذاكرة مجهدة، هم من الجيل الذي كرّم الانسياب التاريخي للعظمة القومية العربية، فبعضهم كان كوالدي الذي غادر حارة المصاروة في مادبا ليعيش مع جده لأمه ضبعان الهلسة طلباً لعلم الدولة العثمانية في الكرك، فتعلم اللغة بالأحرف العربية، وعاد ليهاجر إلى العالم الجديد على ظهر باخرة أوصلته إلى مرسيليا وقطع المدينة على ساحل المتوسط إلى نظيرتها بوردو على ساحل الأطلسي لتأخذه الباخرة الثانية إلى برّ أمريكا الوسطى، حيث تعلم الإسبانية وبقي هناك تسع سنوات بانتظار أن يعود إلى الحوش وزوجته وأبنائه، وبقي والدي يتقن لغة تركيا القديمة ولغة أهل الأندلس الإسبانية، ولغته العربية التي كان يقرأ بها الإخوة كرامازوف، وأحدب نوتردام.

هل جعلت من سيرة والدي سيرة أخرى أشهد بها على جيل أردني قلب صفحة التخلف العثماني وعاد إلى أهله العرب صانعي حضارة الغلبة على قوى العالم الكبرى: الفرس والروم. قد يكون، فلم يعد بعث الثمانينيات من العمر سوى الذاكرة، نتابع بها تراث أمتنا، ونرفع راية أمة غير قابلة للموت.

مقالات متشابهة